Friday, November 21, 2008

الظاهر والباطن في الصور القديمة عند حسن الحلوجى




الظاهر والباطن في الصور القديمة عند حسن الحلوجى
هشام الصباحي
يعتمد حسن الحلوجى في مجموعته القصصية صور قديمة الصادرة في القاهرة عام2007 عن دار توشكي للنشر والإعلان وضمن إصدارات جماعة تكعيبة الأدبية من اللحظة الأولى على إحداث المفارقة في مشاهد قصصية قصيرة جدا تشبه الومضة التي تخطفك وتأسرك داخلها ثم تلفظك خارجها بعد إحداث تغير ما في رؤيتك وإحساسك يجعلك تتعرف على ماهية الأشياء وتتكشفها من جديد وتتعرف على العلاقات الجديدة بينها ,كان ذلك واضحا تماما في مجموعة القصص القصيرة التي تصدرت بداية المجموعة تحت عنوان موحد هو مشاهد .
يمتلك الحلوجى –كما توحي مجموعته القصصية الأولى - قدرة جيدة على تقديم تفاصيل مشهديه لاتُرى بالعين المجردة ولكنها تُكتشف بالعين المدربة والخبيرة في اكتشاف التفاصيل المختبأه مثل عين قاص مدربة على هذا, ويظهر ذلك في قصة حداثة (ص 16) وقصة ولادة (ص 21) ولابد من الاهتمام بهذه الحاسه في المستقبل لدى القاص فهي واحده من مصادر القوة التي تساعده بقدر كبير في إنشاء نصه القصصي.
كانت السمة العامة للعناوين أنها مكونه من كلمة واحد إلا فيما عدا القصة التي أخذت اسم المجموعة القصصية وهى صور قديمة وهذا يوحى بوضوح العالم لدى القاص وقدرته على الاختزال والاختصار حيث يظهر هذا جليا في حجم المجموعة الذي يصل إلى 55 صفحة فقط .
لقد شكل العنوان في صياغته اللغوية وسمته التشكيلة قصدية الاعتماد على مرحلة الطفولة وخاصة في استخدام الفوتوغرافيا لصور أطفال وباللون الأبيض والأسود للصور داخل لون بنى يشكل فضاء غلاف الكتاب ,وقد أُجزم انه لابد من وجود صوره للقاص وهو صغير ضمن صور الغلاف.
دائما يعطى حسن الحلوجى بُعْدين لقصصه, الأول بُعْد ظاهري والآخر بُعْد باطني ,ففي قصة حداثة التي من عنوانها لها إحالات مختلفة وذات ارتباطات معروفة في مخيلتنا,إلا أنها تتكلم عن علاقة ارفف محل بقالة مع الزمن ورصد التغيرات الحادثة في هذه الأرفف وكيف كانت تحفه فنية والآن هي مجرد مسطحات بها العديد من القذرات التي تتكون كما يقول في ص 19" من بقع الزيت العتيقة,وحبات السكر الأثرية,وبقايا حفريات الحلوى التي توقفت المصانع عن إنتاجها" كما يتحدث على علاقتها بالكل المحيط حيث يقول في ص17"لم يكن التراب يزعجها لما نشأ بينها وبينه من ألفه كالمخدر" وفى موْضع آخر يرصد علاقتها بالعنكبوت حيث يقول"كان الضيف المزعج حقا هو العنكبوت البني الذي كان يزورها بين الحين والآخر" ومع كل هذه التفاصيل التي تعتبر في حد ذاتها كافية وتمثل البعد الأول ,إلا انه يعطينا القاص الذي يمسك مفاتيح تعدد الصراعات في القصة بمأزق جديد للبقال القديم عند افتتاح بقالة جديدة تأخذ من الأسماء الجديد والأجنبية اسما لها و الأصناف الجديد والوافدة على القرية,لتُحدث البُعد الثاني في القصة ,ويظهر هذا بقوة في قصة عزاء ص 29 حيث المشهديه الوصفية عالية جدا وعلى الرغم أن الحدث الظاهر هو موت احد أصدقاء البطل إلا أن الحدث الباطن هو إحساس البطل بالغربة التامة بعد عودته إلى قريته ليحضر عزاء صاحبه وكأنها خطوط متوازية حيث موت الصديق يساوى غربة البطل التي دفعته في نهاية القصة إلى الارتماء في أحضان والد صديقه الميت والبكاء ولابد أن يكون البكاء في شكله الظاهري على الميت ولكن مع بعض الإمعان تجد نفسك مدفوعا إلى إقرار أن البكاء في الأصل هو بكاء البطل على نفسه التي تشعر بالغربة الشديدة في وسط الأهل.
لقد كان الشكر والإهداء الذي زين الغلاف الأخير للكتاب والمقدم من جسن الحلوجى إلى دكتورة لطيفة عاشور التي قامت بالإنفاق على الكتاب من اجل أن يخرج إلى العالم لمسة وفاء من القاص ونقطة نور من لطيفة عاشور في واقع مظلم

هشام الصباحي
شاعر وكاتب مصري
H.alsabahi@gmail.com

المنصورة في 11-11-2008

http://www.alarab.co.uk/Previouspages/Alarab%20Weekly/2008/11/22-11/w24.pdf

Monday, November 10, 2008

« ارتكاتا » صورتنا عند الآخر

« ارتكاتا » صورتنا عند الآخر

هشام الصباحي
ارتكاتا بلد الماس في أسبانيا الحديثة والقريبة زمنيا ومعنويا والغنية بعد (دخولها ضمن قائمة اكبر عشر دول صناعية في عهد خوان كارلوس -الرواية ص88-)
اتخذها الكاتب السوداني هشام ادم اسم روايته التي صدرت في القاهرة عن دار شمس للنشر والمعلومات كعمل روائي أول لابد أن نتوقف أمامه
تمثل الرواية متعة الترحال والانتقال من مكان إلى آخر ومتعة مصاحبة شخوص الرواية والتعرف على أماكن ممتعة وجديدة علينا في أسبانيا التي نعشقها,من خلال عين الطفل الذي يتعرف على عائلته البعيدة والعالم من حوله ولحظات اللقاء وكيف ينظر إلى الجميع وكيف يرى هو الوجوه والأجساد والتعبير عنها, وكيف يقرأ بفطرة مشاعر الآخرين تجاه ويمنحنا فرصة مشاركته بالتلقي لما يكتب ويقول وكيف تكون( البداية الحقيقة لكسب علاقات ذات طابع حميمي مع البعض –الرواية ص 32), إنها متعة اكتشاف الأشياء الأولى في حياتنا والتي ندركها مثل الموت حيث(كانت تلك أول تجربة موت أخوضها عن قرب الروايةص45) ومثل أول كذبة وكيف تكون هي(البذرة الأولى لموهبة التأليف والسرد القصصي الروايةص38)
إن إيقاع الرواية كان شيقا وجميلا وكان السرد سريعا ومختصر ..على الرغم من جماله إلا إن الرواية كانت تحتاج إلى بعض التطويل للحصول على متع أكثر والتعرف على شخوص وأماكن الرواية بقرب وحميمة أكثر.
كانت الهوامش في نهاية الرواية فكرة جميلة لشرح المصطلحات والتعريف ببعض الشخصيات التاريخية والثقافية التي حضرت في الرواية وبعض معالم أسبانيا التاريخية والحياتية الحديثة معا كما أنها كانت مساعدا جيدا على الفهم والاستيعاب الجيد للعديد من مناطق الرواية وأفعال الأبطال.
اشتملت الرواية على العديد من الحكم التي تعبر عن نضج ما عند الراوي والروائي معا وأيضا على محاولة الراوي إعطاء نصائح/حكم إلى القارئ بشكل قيمي قد تساعده على فهم الحياة ومن هذه الحكم (عندما يُفضى احدهم إليك بسر ما,تتغير معاملتك معه بطريقة ما الرواية ص97)
إن اخطر ما تناولته الرواية هي علاقة الأسبان بالعرب والمسلمين وتصوراتهم عنا حيث أن الأسبان يرون العرب المسلمين مجرد مستعمرين و عندهم في التراث( نبوءة الأب يواقيم الفلورى وتابعه أرنو التي ترى أن بطلا مسيحيا سيخرج من أسبانيا ليحررها من المسلمين ويعيد مجد المسيحية ويعيد بناء قبر الرب في جبل صهيون الرواية ص129). إن كان هذا هو الأمر بالفعل فلابد أن نعترف بأن الأمر جد مفزع ولابد أن تدفعنا هذه الرواية إلى اكتشاف هذه المنطقة الشائكة والتعامل معها حيث توضح الرواية لنا كيف يرانا الآخر في أسبانيا وكيف يكون محمد هو نبي العرب الدموي وكيف يكون صلاح الدين الايوبى واحدا من السلاطين الدمويين
إنها الرواية التي لابد أن تفجعك في نهايتها ببعض من صور الآخر في أسبانيا الذي يحمل قدرا من الكراهية والتشويه للعرب والإسلام ومحمد
ولقد تناول هشام ادم في ارتكاتا روايته الأولى أيضا تأثير الرسوم التي أساءت إلى نبينا وكيف كانت مقاطعتنا للدنمارك مؤثرة على اقتصاد أسبانيا وإغلاق بعض الشركات وخاصة السياحة وكيف ساهمت هذه الأزمة في نشر كتب مترجمة إلى الأسبانية عن محمد بشكل صحيح وانسانى جعلت بطل الرواية يبكى لموته وأنا غير مقتنع بهذا الجزء إلا إذا أراد الروائي أن يخفف علينا وقع ألم اكتشاف رؤية الأسبان لنا فجاء بهذا الجزء ليصالحنا مع أنفسنا ويمنحنا بعض الهدوء والسكينة
كانت الشخصيات داخل الرواية في منتهى الحيوية وان كانت من الممكن أن تكون أكثر وهجا إذا أخذت المزيد من البناء المعرفي ومثلت شخصية العبد دو ريجيلو الجمال الانسانى والمعرفي في الرواية وكانت مؤثرة فينا على الرغم من قصر بزوغها على صفحات الرواية وخاصة حكمه التي على شاكلة في هذه الرواية منها نتعلم جميعا (لا احد يولد عارفا ص42)
هشام آدم روائي سوداني،واسمه الكامل هشام آدم محمد آدم ولد بالقاهرة في 19 مايو 1974م وقدر درس بجامعة الخرطوم كلية الآداب بكالوريوس وماجستير اللغة العربية، يعيش حاليا بالمملكة العربية السعودية.

هشام الصباحي
شاعر وكاتب مصري
H.alsabahi@gmail.com
6-8-2008
في القطار مابين شينزن وجوانزو-الصين



http://www.facebook.com/board.php?uid=8147277718